16 أبريل 2024 07:00 7 شوال 1445
دنيا المال
رئيس التحرير إيهاب عبد الجواد
مقالات

ا.د عبد الرحمن الوهابي يكتب : الأمن العربي والتفاعل الإيراني

دنيا المال

تفردت إيران منذ أربعة عقود بخصومة مع بعض الدول العربية، إذ بدأ الخلاف مع ثورة 1979، وتصاعد في مواجهات عسكرية مع العراق لسنوات ثمان. علما أن تلك الحرب لو لم تقم فإن خطط الثورة الإستراتيجية سائرة لتحقيق أهدافها العامة، وهذه الخطط ليست بمعلومات سرية، بل معلن عنها، ومسرودة في وثائق ومصادر.

تكمن أهداف إيران في التوسع، والسيطرة على المواقع الإستراتيجية في الخليج العربي وبحر العرب، وبسط النفوذ على المواقع الدينية في مكة والمدينة، وكسب حلفاء من دول إسلامية وعربية، وتوسع للحضارة الفارسية، وتشييد قوى عسكرية، وتكنولوجية، واقتصادية، والاتكاء على مظلة دينية ذات توجه شيعي من جهة، وإسلامي عام من جهة أخرى.

إستراتيجية نظام إيران تتطور، ففي الفترات المتأخرة يلاحظ تحالفها مع تركيا لمصالح مشتركة يتم توزيع مهامها. ورسالة هذا التحالف الإستراتيجي، أنه بين دولتين غير عربيتين، تمثل واحدة منهما أكبر تيار شيعي كنظام ودولة، وتمثل الأخرى أحد أكبر التيارات الإسلامية السنية ذات الأبعاد التاريخية والسياسية في المنطقة العربية.

كلا الدولتين تنشطان بصور محترفة وفاعلة في الدبلوماسية الثقافية، لتحقيق أهدافهما، وكسب ميول الرأي العام العالمي والعربي الشعبي، والتواجد في ذاكرته الثقافية. نعم، لقد سبقت إيران تركيا في توظيف الدبلوماسية الثقافية بتوسع وكثافة، فنشطت في مجالي الإعلام والتعليم، فأسست الكثير من القنوات والمصادر الإعلامية عربيا ودوليا وعلى الشبكة العنكبوتية، وفي التعليم قدمت الكثير من المنح الداخلية والإيفاد الخارجي، بخاصة في المجال الديني. والمفهوم الشيعي في التفكير الإيراني ضمني، يُوظف لكسب التعاطف الشعبي واللوجستي، وخير دليل ثنائية التحالف الإيراني التركي.

إن تحركات إيران الخارجية تقودها ثنائية مكونة من مستويين: فكري، وأمني. إذ تحرص على تأسيس قواعد بشرية وحلفاء داخل المجتمعات الأجنبية، وتصنع أذرعا فكرية رؤيوية، وحركية عسكرية تعملان لتحقيق أهداف جغرافية، كما في حزب الله العربي! أو الحوثي الآخر، وفي العراق وبعض الدول الأخرى. ونلاحظ بحيادية، أنه لا توجد دولة تدخلت فيها إيران، إلا وهي شبه مدمرة اقتصاديا، ومعرقلة تنمويا. وللأسف فإن كل هذا الصراع فيه تطلعات سياسية وأطياف من الأدلجة، وهو في كل الأحوال استهلاك للقوى، واستنفاد للطاقات، وإضعاف لميكنة التنمية والاستقرار للجميع.

إن التاريخ سيسجل أن إيران ذات الهوية والنزعة الفارسية قد توسعت، ووطأت الجزيرة العربية من شمالها وجنوبها في السنوات المتأخرة، والمسرح العربي، للأسف، بين مأساة وملهاة، وتحديات داخلية وخارجية. فهل سيسجل التاريخ أيضا أن العرب والشرفاء منهم استطاعوا رد كيد هذا المكر وصفوفه، ونظموا أولويات إستراتيجياتهم المصيرية؟

هناك رأيان للتعامل مع هذا الخلاف وواقعه المحزن؛ أولهما: التوافق مع إيران، فهي دولة شقيقة، وهذا يحتاج لعزيمة وحكمة، وتفعيل أولويات المصالح المشتركة. وأحسب أن الدول العربية المعنية، وغيرها ترحب وتسعى لهذا التوجه منذ زمن، ويظل قائما بإذن الله فهو الأجدر والأسلم.

ثانيهما: وهو، للأسف، ما تدعمه كل مؤشرات الواقع المرحلي، ويتمثل في بقاء الخلاف، وهذا يستوجب على الدول المعنية، بخاصة السعودية ومصر ضرورة العمل على تطوير وتنويع خطط المواجهة الباردة بحرفية أكثر تأثيرا ومهنية! فنتائج المضمار على المدى البعيد غير ممهدة تعكسها النتائج الجغرافية. وكل الدول تعمل لمصالحها، وطبيعي ألا تتوافق المصالح جملة، ولكنها نسبة وتناسب، وأولويات، ووجود إيران على جغرافية الخليج العربي مصير أبدي يفرض مجموعة من المصالح والحسابات لكل دول المنطقة.

أستدعي في هذا السياق، بطولات الخيال الأدبي عند العرب ودفاعهم عن أراضيهم وهوياتهم من غزو الفرس المضطرد، وذلك في شخصية حمزة البهلوان التي صنعها الأدب الشعبي، وما قام به حمزة العرب من بسالة ودهاء لحفظ حقوق العرب وأراضيهم. وهذه القصة المطولة نسجها مسرحية شعرية محمد أبو سنة، الشاعر الفريد العريب، قبل نحو خمسين عاما، ومن مشاهدها المعبرة ما قاله بختك وزير كسرى عن العرب:

سوف نرد الكيد
كي يعلم أن الفرس
أطول من قامته
أن دماءهم أزكى
أنقى من كل دماء البشر جميعا
نحن شعوب النار
هل يهزمنا حادي أبل أسود؟

وآخر ما قال حمزة بعد الانتصار وطرد الفرس من بلاد العرب:
فإنما رسالتي
أن تصبح العدالة التي تريدها السماء
شعار هذي الأرض
قانون هذه البلاد
وسوف يصبح العرب
رجال عالم جديد

إيران تركيا إسرائيل إثيوبيا