23 أبريل 2024 16:36 14 شوال 1445
دنيا المال
رئيس التحرير إيهاب عبد الجواد
مقالات

رحلة العائلة المقدّسة إلى مصر (1)

دنيا المال

ذكرت قبل ذلك عن رحلة العائلة المقدّسة من كنعان/فلسطين إلى مصر, إنها تمت بوحي ربّاني بحسب المصادر المسيحية, ولو تابعنا تفاصيلها سنرى كم هى مشابهة لقصة موسى عليه السلام حين أمر فرعون بقتل جميع الذكور من أبناء بني إسرائيل! 
وسأتناول رحلة العائلة المقدّسة في عناصر على النحو التالي:
هل حدثت رحلة العائلة المقدسة؟
يعتمد كثيرون في حدوث الرحلة على قوله تعالى:
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) {المؤمنون:50}

قيل إن المقصود بالربوة هى الرملة بفلسطين, وقيل هى دمشق, وقيل هى مصر. 
وأيًا كان المكان فإن كل هذه البلاد كانت تحت الحكم الروماني ومصر من ضمنها أيضًا لكن حاكمها لم يكن يهوديًا بل كان رومانيًا وثنيًا لا يعنيه سوى إرضاء سيده في روما! 
وكان الخطر محدقًا بالسيدة مريم وابنها عليهما السلام من كل ناحية!

وأرى أن المهم في هذا الموضوع هو ما ورد في المصادر اليهودية والمسيحية لأن القصة تعدّ من أسس الاعتقاد المسيحي بالدرجة الأولى. 
• جاء في ميخا: أَمَّا أَنْتِ يَابَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، مَعَ أَنَّكِ قَرْيَةٌ صَغِيرَةٌ بَيْنَ أُلُوفِ قُرَى يَهُوذَا، إِلاَّ أَنَّ مِنْكِ يَخْرُجُ لِي مَنْ يُصْبِحُ مَلِكاً فِي إِسْرَائِيلَ وَأَصْلُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ الأَزَلِ). (ميخا 5/2)
• وجاء في اشعياء : وَلَكِنَّ السَّيِّدَ نَفْسَهُ يُعْطِيكُمْ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً، وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ) (أشعيا 14:7). ". 
• وجاء في أشعيا أيضًا, ما يعدّه المفسرون نبوءة عن هذه الرحلة فنقرأ:
(فَيُبَارِكُهُمُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ قَائِلاً: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَصَنْعَةُ يَدِي أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ»). (أشعيا 19/25).
فتعزى البركة هنا للرب الذي يجريها على يد مريم عليها السلام, متمثلة في رحلتها المقدّسة وابنها, عليهما السلام. ولأن مواضع راحة مريم عبر الرحلة, في أرض مصر, حلّت بها بركة, ومظاهر عناية الرب, وهى باقية إلى يومنا هذا.
• وجاء في إنجيل متى:
(ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم. قائلين أين هو المولود ملك اليهود فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له. فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح. فقالوا له في بيت لحم اليهودية لانه هكذا مكتوب بالنبي. وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل. حينئذ دعا هيرودس المجوس سرًا وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر. ثم أرسلهم إلى بيت لحم وقال اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي ومتى وجدتموه فاخبروني لكي آتي أنا أيضًا وأسجد له فلما سمعوا من الملك ذهبوا وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي. فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًا. وأتوا إلى البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه فخروا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبًا ولبانًا و مرًّا. ثم إذا أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس. انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم. وبعدما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه. فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر.)
ونعرف من نصّ إنجيل متى خبر الثلاثة المجوس (أمجوش في بعض المصادر), الذين رأوا نجمًا في السماء كإرهاص لميلاد السيد المسيح عليه السلام, وتتبعوا هذا الخبر عبر رحلة طويلة من بلاد الشرق ربما فارس أو غيرها! إلى أن بلغوا مدينة أورشليم الكنعانية. وكان هدفهم من الرحلة الطويلة تلك هو السجود لهذا المولود كإله!
انزعج هيرود/ هيرودس, وهو هيرودس الأول, أو هيرودس الكبير, تميزًا له عن ابنه هيرودس انتيباترس. كان هيرودس ملكًا على اليهود غير محبوب لسببين؛ الأول: أنه ينحدر من أب أدومي وأم نبطية. والثاني: أنه كان حليفًا للإمبراطورية الرومانية. وتخيّل هيرودس أن ميلاد هذا الطفل سيشكل خطرًا على نفوذه في المملكة, فأرسل واستدعى الكهنة والكتبة واستخبر منهم أين سيكون ميلاد هذا الطفل؟ فقالوا أن الميلاد سيكون في مدينة بيت لحم, فأمر بقتل كل الأطفال الذكور من ابن سنتين فما دون, في المدينة وما جاورها من قرى! 
لكن وحي السماء أنقذ الوليد عن طريق حلم رآه يوسف ظهر فيه ملك الرب نصحه بالهروب بالصبي وأمه إلى مصر. 
محطات الرحلة:
قبل الحديث عن محطات رحلة السيدة مريم عليها السلام مع ابنها, تذكر المصادر المسيحية أنها سلكت طريقًا غير تلك الطرق الثلاث التي كانت معروفة آنذاك, والسبب هو تجنبها لملاحقة الروم لها وإدراكها في الطريق وإلحاق الضرر بوليدها, عليه السلام.

د. سامي الإمام

دكتور سامي الإمام رحلة العائلة المقدسة