20 أبريل 2024 12:38 11 شوال 1445
دنيا المال
رئيس التحرير إيهاب عبد الجواد
مقالات

أردوغان ومعاهدة لوزان

دنيا المال

لقد بلغ جنون اودرغان منتهاه عندما أعلن وروج مؤخرا في وسائل الاعلام عن غبن وظلم معاهدة لوزان الموقعة في عام 1923 ، لتركيا ، وأنه يرغب في الغاء تلك المعاهدة ،
الأمر الذي يوجب علينا القاء نظرة عن هذه المعاهدة ، وبيان خلفيتها التاريخية ، وأهم الأحكام الواردة بها ، ثم الأهم بيان التوصيف القانوني لها بموجب أحكام القانون الدولي للمعاهدات الدولية وذلك علي النحو التالي :
اولا : التطور التاريخي لمعاهدات الصلح التركية بعد الحرب العالمية الأولى :
1 - معاهدة سيفر 1920 :
معاهدة سيفر أو معاهدة الصلح ، هي المعاهدة التى قبلت بها الدولة العثمانية في 0ا أغسطس عام 1920 عقب الحرب العالمية الأولى ، بين الدولة العثمانية وقوات الحلفاء لكنها لم تبرم على الإطلاق.
وحين تولت الحركة القومية التركية بزعامة مصطفى كمال أتاتورك الحكم في تركيا في 29 أكتوبر عام 1923 رفضت ما جاء في هذه المعاهدة، واعتبرت أن بنودها تمثل ظلمًا وإجحافًا بالدولة التركية، وذلك لأنها أجبرت على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت واقعة تحت نفوذها، وقد نصت هذه المعاهدة على التالي : -
- منح تراقيا والجزر التركية الواقعة في بحر إيجه لليونان.
- الاعتراف بكل من سوريا والعراق كمناطق خاضعة للانتداب.
- الاعتراف باستقلال شبه الجزيرة العربية.
- الاعتراف باستقلال أرمينيا.
- اعتبار مضائق البسفور والدردنيل مناطق مجردة من السلاح وتحت إدارة عصبة الأمم.
- حصول كردستان على الاستقلال حسب البندين 62 و 63 من الفقرة الثالثة، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان استنادًا إلى البند 62.
2 - معاهدة لوزان 1923 :
تعد معاهدة لوزان المحطة الأخيرة لتقسيم التركة العثمانية
، و هي المعاهدة النهائية والختامية للحرب العالمية الأولى ، والتي تم التوقيع عليها من قبل ممثلي تركيا من جهة ، وبريطانيا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، واليابان ، واليونان ، ورومانيا ، ومملكة الصرب والكروات والسلوفينيين من جهة أخرى ، تم التوقيع على معاهدة لوزان ، في 24 يوليو 1923 ، بعد المؤتمر بسبعة أشهر .
ثانيا : أهم الأحكام الواردة بمعاهدة لوزان :
اعترفت المعاهدة بحدود الدولة الحديثة في تركيا ، وتقلصت مطالب الحلفاء من الحكم الذاتي لكردستان التركية وذلك بالتنازل التركي للأراضي إلى أرمينيا ، والتخلي عن المطالبات إلى مناطق النفوذ في تركيا ، وفرض الرقابة على المعاملات المالية بتركيا أو القوات المسلحة ، وقد نصت علي ان المضائق التركية بين بحر إيجة والبحر الأسود لتصبح مفتوحة للجميع ، على خلاف ما حدث فى اتفاقية سيفر.
وعلي صعيد القارة الآسيوية ، فقد تخلت تركيا عن السيادة على العراق وفلسطين بما في ذلك الأردن ، وأصبحت ولايات بريطانية، سوريا بما في ذلك لبنان ، والذين أصبحوا تابعين للانتداب الفرنسي ، واحتفظت تركيا بالأناضول ، وأصبحت أرمينيا جمهورية مستقلة تحت ضمانات دولية .
وفي أوروبا ، تنازلت تركيا عن أجزاء من تراقيا الشرقية وبعض جزر بحر إيجه إلى اليونان ، ودوديكانيز ورودس إلى إيطاليا ، والإبقاء فقط على القسطنطينية وضواحيها ، بما في ذلك منطقة المضيق "الدردنيل والبوسفور" ، والذي تم تحييده وتدويله ، وحصل الحلفاء على المزيد من السيطرة الفعلية على الاقتصاد التركي مع حقوق الاستسلام .
وقادت معاهدة لوزان إلى الاعتراف الدولي لسيادة جمهورية تركيا كدولة خلفت الامبراطورية العثمانية البائدة ، وقد استمرت اتفاقية المضائق التركية لسنوات فقط وحلت محلها اتفاقية مونترو ، وذلك فيما يتعلق بنظام المضائق التركية خلال عام 1936 .
وظلت مقاطعة هاتاي جزءًا من الانتداب الفرنسي لسوريا وفقا لمعاهدة لوزان ، لكنها لم تكتسب استقلالها في عام 1938 كدولة هاتاي ، بينما انضمت في وقت لاحق إلى تركيا بعد استفتاء عام 1939 .
و تضم "معاهدة لوزان عدد " 143 مادة، موزعة على 17 وثيقة ما بين اتفاقية وميثاق وتصريح وملحق، وتناولت هذه المواد ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها وفقا للمبادئ العامة للقانون الدولي.
كما نظمت معاهدة استخدام المضائق المائية التركية، وقواعد المرور والملاحة فيها زمن الحرب والسلم، واحتوت نصوصا تحدد شروط الإقامة والتجارة والقضاء في تركيا، وإعادة النظر في وضعية الدولة العثمانية، ومآل الأراضي التي كانت تابعة لها، قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى خلال 1914-1918.
كما أبطلت المعاهدة العمل بـ"معاهدة سيفر" وبنودها المجحفة بحق الدولة العثمانية، وأسست لما عُرف لاحقا بـ"الجمهورية التركية" العلمانية، بعد إلغاء نظام الخلافة الإسلامية، ورسّمت حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية، التي حافظت على ضم إسطنبول وتراقيا الغربية، وتضمنت بنودا تتعلق بتقسيط ديون الدولة العثمانية.
كما نصت المعاهدة علي تنازل تركيا عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، باستثناء مدن كانت تقع في سوريا، مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش، وبتنازل الدولة العثمانية عن كافة حقوقها السياسية والمالية، المتعلقة بمصر والسودان اعتبارًا من نوفمبر عام 1914.
ونصت أيضا "معاهدة لوزان" على حماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية بتركيا، والأقلية المسلمة باليونان، وألزمت الحكومة التركية بالمحافظة على حياة وحقوق وحرية جميع المواطنين ضمن أراضيها، وبمساواتهم أمام القانون، بغض النظر عن الأصل والقومية واللغة والدين.
كما ألزمتها بعدم وضع أي قيود على المواطنين في استخدام أي لغة يختارونها مهما كانت، سواء أكان ذلك في العلاقات الخاصة أم في الاجتماعات العامة أم في مجالات الدين والتجارة والإعلام والنشر ، مع التأكيد على حقوق السيادة السياسية والاقتصادية للدولة التركية، وإلغاء تطبيق نظام الامتيازات الأجنبية على أراضيها.
ثالثا : التوصيف القانوني لمعاهدة لوزان :
تعد معاهدة لوزان من عداد معاهدات الصلح ،وتحديدا معاهدات السلام التي تبرم بعد الحروب ، بقصد ضمان المحافظة علي الاوضاع التي توصلت إليها المعاهدة ، ومنع خرقها من اي طرف ،
و تحظي معاهدات السلام وايضا معاهدات ترسيم الحدود السياسية في القانون الدولي بصفة عامة بمكانة ومرتبة قانونية متميزة عن سائر المعاهدات الدولية الاخري ، بقصد دوام استمرار تنفيذ الاحكام التي جاءت بها المعاهدة ، حفاظا علي استقرار العلاقات الدولية ومنع نشوب المنازعات الدولية ومن ثم المحافظة علي استقرار حالة السلم والأمن الدوليين ،
- ولما كان الثابت ان معاهدة لوزان تعتبر من معاهدات الصلح التي ترتب التزامات قانونية بشأن اوضاع إقليمية اضحت مستقرة ، ولها شخصية قانونية معترف بها بموجب نظام عصبة الامم ثم الامم المتحدة بعد عام 1945 ، 
ولا ينال من قيمة معاهدة لوزان توقيعها أثناء سريان عهد عصبة الأمم ، فان ذلك مردود عليه بأن المعاهدات نصت علي مبادئ قانونية دولية في حقيقتها اعراف دولية مستقرة تعني بدوام العلاقات الدولية علي أسس التعايش السلمي والاستقرار بين الدول ، وهي مبادئ اكد عليها ميثاق الأمم المتحدة ،
الخلاصة :
نخلص علي عدم سلامة و صحة مزاعم اودرغان بشأن معاهدة لوزان 1923 ، والتي تعد من معاهدات السلام التي ترتب اوضاع إقليمية وعينية ، وتحظي بحماية القانون الدولي ، وأن من شأن تصريحات اوردغان خلق حالة من التوتر والمشاحنات بين العديد من الدول من جانب وتركيا من جانب آخر ،
تركيا أيضا ملتزمة باحترام الأحكام الواردة بشأن إستخدام نظام المضايق التركية .

المستشار الدكتور / مساعد عبدالعاطي 

خبير في القانون الدولي العام

مساعد عبد العاطي