18 أبريل 2024 09:33 9 شوال 1445
دنيا المال
رئيس التحرير إيهاب عبد الجواد
مقالات

ابريل 1982/ ابريل 2020 سيناء ليست شركة خاسرة

دنيا المال

بقلم : الدكتور طارق فهمي .. أستاذ العلوم السياسية 

 

عشت في قلب الصراع العربي الاسرائيلي لاكثر من 25 عاما ولدي ما أقوله في تاريخ الصراع وأسس الحل علي كافة المستويات العربية والاسرائيلية وعن سيناء علي وجه الخصوص ، ولي العديد من الدراسات المنشورة عن أهميتها الاستراتيجية والسياسية، ووضعيتها بالنسبة لاشكالية الصراع العربي الاسرائيلي منذ بدأ الصراع ..
هذه مقدمة مهمة لكي نفند ما طرح مؤخرا بشأن سيناء وامكانية التعامل معها كاقليم وتعيين حاكم لها وغيرها من نقاط مما طرح من تصور يجب الرد عليه بهدوء وبدون تجريح لاحد..
لا أريد أن اعدد وضعية وخصوصية سيناء بالنسبة لمصر فالجميع يعلم أهميتها الاستراتيجية ولا أريد أن أزعج القاريء بمقارنات عن مساحة ومكانة لدول ووحدات سياسية أخري مقارنة بسيناء فلكل حالة خصوصيتها وما يجري بالنسبة لولاية أمريكية لا ينطبق علي سيناء أو علي هونج كونج القياس خاطيء شكلا ومضمونا .
يمكن حل الصراع العربي الاسرائيلي بالعديد من الافكار خارج الصندوق ولمجرد الحل النظري والذي يضم كل الاطراف المعنية والتي قد تمس كل الاطراف ومنها ما اثير بالنسبة لمصر في فكرة تبادل الاراضي التي روج لها جنرالات وعسكريين اسرائيليين ، ولدي شخصيا العديد من الدراسات والكتب عن هذه الافكار الشيطانية التي رفضتها مصر منذ عصر الرئيس مبارك الي عهد الرئيس السيسي وبالنسبة للولاية الهاشمية للاردن علي المقدسات الاسلامية واعتبار الاردن الوطن البديل وبالنسبة للسعودية اعادة اثارة ملف اليهود حيث الاحاديث عن التعويضات واعادة خلط الاوراق في كل الملفات الشائكة لمجرد ايجاد حل والسلام ..
تدخل البعض عن قلة الخبرة باثارة فكرة الفيدرالية ، وسيادة الدولة الوطنية وحكم الولايات ذات الخصوصية وأنبه هنا الي أن دستور مصر قد حدد بالفعل علاقات المحافظات وسيادتها في اطار مركزية الدولة الوطنية ووضعها ويبدو أن من كتب لم يطلع علي دستور مصر أو انه ربما يدعو بصورة غير مباشرة لتغيير ما هو قائم لان ليس لدينا أصلا ما نخسره .. لا لدينا ما نخسره سواء فيما دفعته مصر حتي اللحظة في سيناء من اجراءات لحماية الوطن الغالي وما تزال عملية القوات المسلحة ماضية في مسارها لتطهير سيناء من الارهاب والذي يتحين الفرصة للانقاض علي الاستقرار الراهن ( انظر لما جري في العملية الاجهاضية في الاميرية ) والامر ليس اقتصاديا واستثماريا فقط هناك ابعاد أخري متعلقة بالامن القومي المصري ومرتكزاته وخصوصيته بالنسبة للتعامل مع وضع سيناء ، وما أدراك ما سيناء بالنسبة لاسرائيل والتي سعت في توقيتات معينة للمطالبة بوضعها تحت الائتمان الدولي والحماية الدولية ، وحما الله الوطن عندما اقدمت مصر وبمفردها علي محاربة الارهاب بمفردها ونيابة عن العالم ونصر الله مصر ولم يتحقق الهدف الشيطاني في اقتطاع جزء من سيناء لبدء التفاوض مع العناصر الارهابية المجرمة .. لقد تم ذلك بعد مواجهات دفعت فيها مصر الكثير .
لا أتصور أن المدافعين عن الفكرة لمجرد التجريب ، ولن نخسر شيئا اذا جربنا فالاوطان ليست مجال التجربة، والاختبار واذا قبلنا مجازا هذه الامر فلنقسم الوطن الي أقاليم ونذهب الي حكم المدن والادارات الذاتية وتسقط سيادة الدولة الوطنية اذن.. لسنا يا سيدي في مرحلة الرفاهة الفكرية وفكرة الاستحواذ تصلح لادارة الشركات الخاسرة وسيناء لم تكن أبدا شركة أو كانتون خاسر بل هي الوطن نفسه وهي درة التاج وليست منطقة صناعية أو تجارية كما يريد البعض ، وما تزال هواجسنا قائمة من القريب والبعيد ومن ظنوا أن سيناء أرض مستباحة وقد تصلح لتكون وطن بديل أو تتم مبادلة أجزاء منها ..
لا أكتب كلاما شاعريا أو عاطفيا ولكن أذكر لم تناس أن الاستثمار مفتوح للجميع في كل ربوع الوطن الغالي والدعوة قائمة للجميع للعمل والاستثمار في عشرات المجالات لكن ليس في سيناء تحت أهداف تبدو مستهدفة علي الاقل في الوقت الراهن وبالتالي فمن يطرح الفكرة تناسي أهمية سيناء الاستراتيجية والامنية لمصر كما تناسي أن كل الحروب التي خاضتها مصر من أجل تحرير سيناء الغالية ولعلي هنا أستاذن في طرح بعض التساؤلات الهامة لماذا الان ونحن نحتفي في شهر ابريل بتحرير سيناء من اسرائيل لماذ الان تحديدا هل هناك هدف وراء الدعوة في هذا التوقيت وماذا يخطط لسيناء ليس في الخطة الامريكية للسلام والازدهار في الشرق الاوسط وانما أيضا في مشروعات خبيثة نعلم تفاصيلها جيدا في مصر بصرف النظر عما هو مطروح من أفكار تستهدف باطلا التأكيد علي أن سينا ء ستكون وادي سيلكون ومنتجع سياحي ومشروع لمناطق صناعية وتجارية لتحقيق الرخاء لمصر كلها ...
سيناء قضية أمن قومي وليست مجالا للحديث العابر والنقاش الصحفي واجتهادات خارج الصندوق كما يتصور البعض والذ ي يقارن وضع كاليفورنيا ونيويورك بسيناء ويضعها في مقارنة مع سنغافورة غير ملم بتاريخ مصر العسكري والاستراتيجي ولا أبجديات الامن القومي لمصر علي الاقل في الوقت الراهن...
شخصيا أتوجس من الذين يطلون علينا بأفكار من نوعية ردم البحر والنهر والاتجاه الي التحالفات غير التقليدية ، وبناء شبكات مالية مع جهات غير معلومة تحت مسمي النهضة بمصر وتحقيق الاستثمار المرغوب والمنشود من الدولة التي لم تقصر بل بالعكس فتحت الباب امام الاستثمار الشريف والمشروع وليس من خلال الاستثمار في كل شيء ومن أجل تحقيق المكاسب المالية فقط وفي الذاكرة قضية سياج والتي كان وجيه إيلاى جورج سياج ووالدته المستثمرة كلوريندا فيتشى، رفعا قضية ضد الحكومة المصرية فى 5 أغسطس ٢٠٠٥ تحت بند نزاع بشأن تطوير منطقة سياحية فى سيناء، وطالبا بقرار يفيد بانتهاك مصر توقيعها على قانون الاستثمار الأجنبى، الذى يعطى مزايا أقوى للمستثمرين الأجانب على حساب المستثمر المحلى. وفي الخلفية تفاصيل أخري لا وقت الاشارة اليها لو يعلم العالمون .
لقد بذلت مصر وقيادتها السياسية متمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي جهدا عظيما لاقرار استراتيجية حقيقية في سيناء ولا يعلم كثيرون أن مشروع اعمار سيناء يعمل بالفعل وبكفاءة حقيقية من أجل احداث تنمية حقيقية في سيناء وبهدف بناء مجتمع جديد جنبا الي جنب مواجهة الارهاب ودحره من سيناء بالكامل ، وهو ما حققت فيه الدولة المصرية الكثير من الانجازات ولن أعقد مقارنات بين الوضع الامني الراهن وما كان سابقا ، وبالتالي فإن الذين يطالبون بتغيير الوضع في سيناء عليهم أن يدركوا جيدا أن حرية الكتابة في الشأن العام يجب ألا تكون بصورة مطلقة لكل من يملك نافذة اعلامية ، وفي موضوعات تمس الامن القومي المصري والذي يجب ألا يتحدث فيه الا المتخصصون فالامر ليس مفتوحا علي سيناريوهات أو اجتهادات من أي نوع .
هناك من يراقب ويحلل ويقيم ويتابع ، وتوقيت اطلاق الدعوة من قبل قلم مصري يفتح الباب امام تداول الفكرة والترويج لها علي اعتبار أنه نقاش مسموح به مما يفتح الباب بعد قليل للدعوة لترويج أفكار قمة في السطحية ، فالامر لا يتعلق بمناقشة مباراة كورة قدم أو الجدال بشأن مسلسل أو فيلم بل يتعلق بالوطن بأكمله وليس بمستقبل سيناء الجزء الغالي من أرض الوطن .

سيناء طارق فهمي