25 أبريل 2024 07:16 16 شوال 1445
دنيا المال
رئيس التحرير إيهاب عبد الجواد
مقالات

أشرف حمودة يكتب : البيوت المشروخة في رحاب السيدة ..

دنيا المال

 شاهدة على جداريات الزمن الجميل ..يسردون الأبجدية حنينا وموروثا شعبيا ،ونبضات من هنا وهناك تنطق شجنا وحسرة على اندثار ثوابت تألق بها الوجدان الشعبى زمنا طويلا ، وخلف تلك الجدران العتيقة ورمزيتها التى لم تمحى شروخها ..أحيانا فى مظهرها الخارجى واخرى مابين الغرف القابعة داخلها ، تتسع الحكايات ولقاءات العائلة الحميمية والجيران ممزوجا بخطى تحبو فى حنين مابين بيت وبيت ومناسبات يشدو فيها الصفاء الممتد موصولا بالمحبة وعلاقات اجتماعية تشعرها وكأنها حبل وريد ممدود مابين حارة وزقاق . حتى سواتر الطوب الأحمر أمام مداخل البيوت لم تحجب تلك المنظومة الانسانية ولا المنافذ الزجاجية الملونة بالطلاء الأزرق الزهرى كى تحجب الضوء حين تنطلق صفارات الانذار اعلانا عن غارة جوية للعدو الصهيونى أثناء حرب 1967 ، لم تميز تلك العلامات والشواهد مابين أم فؤاد أو أسطى حسين النجار أو النقيب سامى الشحرى فى حارة الكرمانى والذى استشهد فى حرب الاستنزاف عام 1969 . وتختلط الجموع انطلاقا من كل حارة وشارع بحى السيدة زينب متجهة للبرلمان القابع بمنطقة ضريح سعد زغلول تحمل فى طياتها الأمل والهتاف للزعيم جمال عبد الناصر " لاتتنحى ..حانحارب " ..أبواب البيوت انفتحت على مصراعيها ومعها رصيد من عطاء " ناصر " لهم ، ومستوصف السيدة زينب ووحدة الحوض المرصود العلاجية ، ووحدةالصحة التى يرتادها تلاميذ المدارس الابتدائية بالحى ومكاتب الرعاية الاجتماعية ، وعمال مطابع مؤسسة دار الهلال بشارع المبتديان بمعاطفهم الزرقاء ورائحة رصاص المطبعة من النوافذ الحديدة وعمال مطاحن عبد المجيد الرمالى بشارع السد ، واحتفالات عيد العمال حين يمر موكب سيارات تعبر عن مؤسسات القطاع العام شركة النصر للسيارات ، والنقل الخفيف وغزل المحلة وكروم جناكليس وقها وادفينا وسكر الحوامدية وغيرهم كثير . ونحن نصطف على مداخل الحارات بالحى انتظارا لهذا الموكب ، بل للمشروع القومى الذى شيده ناصر للجماهير .ولكن كان هناك موكبا آخر من ميثاقا شعبيا سياسيا اجتماعيا يحكى قصة شعب عاش فرح العدالة الاجتماعية والحقوق العمالية . لم تهتز تلك الجدران العتيقة ولاساكنيها بل كانت صروح الوجدان الوطنى الانسانى ودعائم الثبات على الأرض مغموسة بحنين لكل حجر فى البنايات . والفجر يأتى حين تشدو مأذنة مسجد السيدة زينب بصوت الشيخ عبد الفتاح الشعشاعى مصحوبا بدعوات سكان الحى رضاءا بالمقسوم والأمان الاجتماعى الذى احاط بهم ، وتظل الأعتاب نبراسا لمريدى " أم هاشم " وأصوات المتيمين بالمقام من المجاذيب ..مدد..مدد ياام هاشم ..مدد ياأم العواجز ، ويتراقص القنديل المعلق أمام الضريح يحيطه دخان البخور من قنينة نحاسية فى يد أحد الزوار ،وصوت الساقى الذى يحمل قربة الماء على ظهره ممزوجا بماء الورد ..ميه ياعطشان اشرب . ملحمة ترددها قلوب نقية صمدت أمام أوجاع الزمن وتخطت المحن وتوحدت أمام العدو ، قابعون خلف تلك الجدران المشروخة وفى طياتها كل قيمة وهدف وطنى عام . فنرى الآن أبراجا شيدت وبنايات فاخرة ، الشروخ ليست بها بل فى ساكنيها ..واحتوى الفراغ كل حارة وشارع وزقاق ، فلم تعد حارة " السد " مانعا للتغيير ، بل شاهدة على انهيار الجدار العازل مابين زمن المعنى والانسان ..أثرا ربما يرتاده يوما ساكنى الأبراج كى يلقوا نظرة على تلك الشروخ ..ويسدل التاريخ ستائره على أيقونة من شرفات البيوت المشروخة ..ربما تكون قنديلا لكل عابر سبيل ..

السيدة زينب