29 مارس 2024 14:55 19 رمضان 1445
دنيا المال
رئيس التحرير إيهاب عبد الجواد
مقالات

لهذه الأسباب لم تنخفض الأسعار بانخفاض الدولار!

دنيا المال


سؤال مطروح لدى عموم المصريين في الشهور الأخيرة، إذا كان تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016 أمام الدولار الأمريكي، قد تسبب في طفرة بأسعار السلع بالأسواق المصرية، خاصة في ظل استيراد معظم المنتجات الغذائية والمواد الخام ومستلزمات الصناعة والآلات، فلماذا لم تنخفض الأسعار مع تراجع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري، منذ أواخر شهر يناير الماضي وحتى نهاية مايو الماضي؟

وتقتضي الإجابة ذكر عدد من العوامل، أبرزها أن التجار قد استوردوا البضائع الموجودة بالمخازن بالأسعار السابقة للدولار، وهى بضائع لم تنفد بعد بسبب الركود وضعف الطلب، وبالتالي فإن خفض الأسعار ينتظر استيراد سلع جديدة بالأسعار المنخفضة للدولار، وهو أمر يتطلب عدة شهور، سواء بسبب ضعف الطلب أو بسبب طول الفترة التي يحتاجها استيراد السلع عبر النقل البحري القادمة من أماكن بعيدة مثل الصين وكوريا وغيرها، وتأخر الإفراج عنها بالموانئ المصرية.

الأمر الثاني: أنه إذا كان الدولار قد تراجع سعر صرفه بالشهور الخمسة الأخيرة، فقد زادت أسعار عدد من السلع المستوردة خلال نفس الفترة، وبنسب أعلى من نسبة تراجع سعر صرف الدولار، فخلال الشهور الأربعة ما بين ديسمبر/كانون الأول وأبريل/نيسان الماضي وحسب بيانات البنك الدولي، فقد زادت أسعار خام برنت من 56.5 دولار للبرميل الى 71 دولار بنمو 26 %، وزاد خام الحديد بنسبة 35 % والنيكل 18 % والزنك 12 % والقصدير 7 % والنحاس 6 %.

كما زاد المطاط بنسبة 19 % والشعير 14 % واللحم البقري 12 % وزيت النخيل 10 % والكاكاو 5 %، الى جانب زيادات سعرية لكل من الأرز الذي أصحبت مصر مستوردة له، والأسماك وزيت الصويا والقطن والأخشاب.

زيادة تكلفة النقل والتأمين
وإذا كان سعر النفط قد زاد فيؤثر ذلك على تكلفة النقل البحري، كما تؤثر الأزمة الأمريكية الإيرانية والأوضاع باليمن وسوريا وليبيا على ارتفاع درجة المخاطر بالمنطقة، وبالتالي ارتفاع تكلفة التأمين على البضائع المستوردة.

علاوة على ارتفاع نسبة التضخم المحلى، والتي بلغت نسبتها الرسمية بالشهور الأربعة من العام الحالي 13 % وتزيد الى 14% بالسلع الغذائية، وبالتالي سيرغب التجار والبائعون في تعويض تلك النسبة برفع أسعار منتجاتهم إلى جانب تعدد حلقات الوساطة ما بين وكلاء مستوردين وموزعين وتجار جملة وتجار تجزئة، وارتفاع تكلفة النقل الداخلي في ظل استيراد معظم السلع عبر ميناء الإسكندرية في أقصى الشمال ثم نقلها إلى داخل البلاد بريا.

وحتى السلع المنتجة محليا فإن مصانعها تتركز بمدن العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر وبرج العرب، ومن ثم يحتاج وصولها إلى أنحاء محافظات الوجه البحري والقبلي تكلفة أكبر للنقل، لطول المسافات خاصة إلى محافظات الوجه القبلي ومحافظات الحدود.

والأهم من كل ما سبق هل كان الانخفاض في سعر الدولار أمام الجنيه بنسبة كبيرة مؤثرة أم بنسبة صغيرة؟ وهنا تشير بيانات البنك المركزي إلى أن انخفاض سعر الصرف للدولار بدأ في السابع والعشرين من يناير الماضي واستمر خلال نهاية الشهر الماضي، وخلال شهر يناير كانت قيمة التراجع بسعر الدولار 25 قرشا تمثل نسبة 1.4 % من سعر الصرف.

وفى شهر فبراير كانت قيمة الانخفاض 13 قرشا أي بنسبة سبعة بالألف فقط، وفى مارس كانت قيمة الانخفاض 21 قرشا بنسبة 1.2 %، وفى أبريل كانت قيمة الانخفاض 15 قرشا وفى مايو 39 قرشا، وهو ما يشير إلى أن إجمالي قيمة الانخفاض بسعر صرف الدولار خلال الشهور الخمسة، بلغت 113 قرشا تمثل نسبة 6.3 % فقط.

نسبة تراجع متدرجة منخفضة
مع الأخذ في الاعتبار أن البنوك عندما توفر الدولار للمستوردين تتقاضى عن ذلك عمولة تدبير عملة، تختلف نسبتها من بنك لآخر لكنها تدور حول 1.5 %، مما يعنى أن نسبة الانخفاض بسعر صرف الدولار الحقيقية أقل من النسبة المعلنة، كما أنها جاءت تدريجية على مدى الشهور الخمسة لم تكن خلالها بنسب مؤثرة.

ويظل السؤال المهم لدى المواطنين هل نتوقع تراجعا لأسعار السلع المستوردة، خاصة مع تصريحات المسؤولين بأن انخفاض سعر الصرف للدولار سيستمر بالأسابيع القادمة؟ والإجابة هنا من شقين أولهما: أن انخفاض سعر صرف الدولار تم بإجراءات إدارية، وليس بسبب زيادة المعروض من العملات الأجنبية عن الطلب عليها كما يقول المسؤولون وإعلام الصوت الواحد..

بدليل استمرار الاقتراض الخارجي سواء من قبل الحكومة أو البنك المركزي وحتى البنوك التي يتحدث مسؤوليها عن زيادة الموارد من العملات الأجنبية لديها، فحسب بيانات البنك المركزي ما زالت أرصدة العملات الأجنبية بالبنوك بخلاف البنك المركزي، بها عجز حتى فبراير الماضي وهى آخر بيانات معلنة.

تراجع مشتريات الأجانب للأذون
كما أن عودة مشتريات الأجانب لأذون الخزانة المصرية في يناير الماضي قد تراجعت قيمتها من 2.5 مليار دولار بيناير إلى مليار واحد دولار في فبراير، ثم إلى 653 مليون دولار في مارس وهى آخر بيانات معلنة، ويتوقع تراجعها عن ذلك في أبريل ومايو، في ضوء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي ترتب عليها خروج كثير من الاستثمارات الأجنبية من الدول الناشئة ومنها مصر.

مع الأخذ في الاعتبار أن مشتريات الأجانب لأذون الخزانة المصرية خلال الربع الأول من العام الحالي، والبالغ قيمتها 4.2 مليار دولار تمثل نسبة 40 % من إجمالي مبيعات الأجانب لأذون الخزانة المصرية، بالعام الماضي والبالغ قيمتها 10.8 مليار دولار.

الشق الثاني من الإجابة يتعلق بالالتزام بروشتة صندوق النقد الدولي، والتي حتمت زيادة أسعار الكهرباء بداية من شهر يوليو القادم سواء لأغراض المنزلية او التجارية أو الصناعية، وتوقع زيادة أسعار الوقود خلال الشهور القليلة القادمة، وهى زيادة في التكلفة تفوق كثيرا نسبة الانخفاض بسعر الصرف الذى له سقف لا يمكن تخطيه، إلى جانب توقعات كثير من المؤسسات المالية الدولية والإقليمية بزيادة سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري بنهاية العام الحالي والعام القادم.